شارك أربعة عشر طالباً من السنة الثانية والثالثة من برنامج الآثار والتراث الثقافي في رحلة تعليمية إلى الأردن في الفترة الواقعة بين 9 – 15 كانون الثاني 2025 لزيارة المواقع الأثرية المرتبطة بشكل مباشر بالمساقات التي يتعلمها الطلبة في الجامعة، رافقهم فيها رئيس قسم العلوم الإنسانية وبرنامج الأثار والتراث الثقافي د. عمر عبد ربه، وأ. أحمد أسعد، أستاذ مُقيم في دائرة العلوم الإنسانية. حيث زوّدت تلك الرحلة الطلبة بمعرفة تاريخية وأثرية مُهمّة ساعدتهم على المُشاهدة والمُلاحظة المباشرة من خلال تواجدهم الفعلي في الحقل الأثري. وفي نهاية كل جولة، كان يتم عقد اجتماع بين الطلبة والأساتذة المُرافقين؛ بهدف عمل تغذية راجعة حول المعلومات المُكتسبة خلال الجولة. ولقد تم تمويل الرحلة من خلال écoles d’Orient/ القنصلية الفرنسية.
انطلقت الرحلة في يوم الخميس 9 كانون الثاني من جامعة بيت لحم إلى جسر الملك حسين باتجاه الأردن. وبعد إتمام معاملات السفر، بدأت الجولة، بالتوجه إلى دير علا؛ وتم السير بمحاذاة الحدود في الغور وتلقى الطلبة قبل الوصول إلى الموقع، شرحًا عن التقسيمة السياسية للممالك الأردنية القديمة (مملكة عمون، ومؤاب، وادوم) وحدودها وعلاقتها بفلسطين خلال عصور البرونز والحديدي. وفي “تل دير عَلّا” الذي احتوى على تسلسل طبقي منذ العصر الحجري النُّحاسي وحتى الفارسي، ومن أهم الآثار التي عُثر عليها في الموقع: المعبد والمباني المتصلة به، وفي إحداها عُثر على نقش بلعام المُؤرَّخ إلى الفترة ما بين 850 ق.م- 750 ق.م، ولوحات طينية مكتوبة باللغة الكنعانية، وفخار مايسيني (يوناني) مستورد. وتمت زيارة المتحف التابع للموقع وجرى التعرف على الأدوات والصور المرتبطة بالتنقيبات في التل.
وفي اليوم التالي زار الطلبة جبل القلعة عمان القديمة والتي عُرفت بــربة عمون عاصمة مملكة عمون في العصر الحديدي وقد شاهد الطلبة أثار ربة عمون من مباني وغرف. والأثار من الفترة الرومانية الأولى ومعبد هرقل إذ كانت تسمى المدينة فيلادلفيا، وأصبحت من المدن العشرة في نهاية الفترة الهلنستية والفترة الرومانية الأولى. وشاهد الطلبة كذلك بقايا المدينة في الفترة البيزنيطية من كنائس وبيوت، بالإضافة إلى اثار من الفترة الأموية، وهي: المسجد، القصر، شارع الأعمدة، وبيت الوالي الأموي والحمام وكذلك منشآت تجميع المياه. وبعد انتهاء الجولة في الموقع، ذهب الطلبة لزيارة متحف الآثار الأردني في عمان الذي أمَدَّ الطلبة بقدرة على قراءة المادة الحضارية، والتعرّف على الحُقب التاريخية، منذ العصور الحجرية وحتى الإسلامية، وهي بالنتيجة، ذات الحُقب التي مرّت على فلسطين؛ نظراً لتشابه الأحداث التاريخية.

وفي ذات اليوم، توجّه الطلبة إلى جبل نيبو ودير صياغة والمتحف ثم إلى مدينة مادبا. أما جبل نيبو فيُعتبر مَوضعاً مُقدّساً للديانات الثلاثة الإسلامية والمسيحية واليهودية؛ نظراً لارتباطه بالنبي موسى. وفي دير صياغة تعرّف الطلبة على أحد أنواع التنسك في الفترة البيزنطية، وهو التنسّك الجماعي المُسمَّى بـ”سينوبيو”، كما شاهد الطلبة ثلاثة كنائس مبنية على نظام البازيليكا، والتي احتوت على سجاجيد ولوحات فسيفسائية، أهمها سجادة “الدياكونيكون” الأرضية الفسيفسائية.
توجه الطلبة من جبل نيبو إلى مادبا حيث زاروا كنيسة القديس جوروج للروم الأرثوذكس، وشاهد الطلبة داخل أرضية الكنيسة التي بنيت في القرن السادس الميلادي خريطة مادبا التي أؤرخت إلى عام 560 م وتُعد من أهم الخرائط التي اكتُشفت في القرن السادس الميلادي، إذ تُعبّر عن طرق الحج إلى الأراضي المُقدّسة في فلسطين والأردن وسيناء، وأهم ما احتوته الكنيسة، هو مخطط مدينة القدس في الفترة الرومانية والبيزنطية.

في يوم السبت انطلق الطلبة متوجهين من عمّان إلى البتراء عبر وادي موسى، في طريق دامت حوالَي سبع ساعات، وفي الطريق، تمت زيارة موقع تل حسبان الذي يحتوي على تراكم طبقي منذ العصر البرونزي المبكر وحتى المملوكي، وقد شاهد الطلبة في التل البقايا الأثرية من الفترات التي تعود إلى العصر الحديدي والفترات الرومانية والبيزنطية وتلقى الطلبة شرحًا مفصل عن علاقة حسبان “ايسبوس” في الفترة الرومانية بأريحا وفلسطين من خلال طريق ايسبوس أريحا، ثم تلقى الطلبة شرحًا عن الموقع في الفترة العثمانية والمملوكية والدراسات الاثنوغرافية التي تناولت الموقع من منظور اثنواركيولوجي. انتقل الطلبة من حسبان إلى البتراء عبر الطريق الصحراوي وقد تلقى الطلبة شرحًا مفصلًا عن أهمية الطريق الصحراوية التي تربط جنوب الأردن بفلسطين والجزيرة العربية وكذلك تعرف الطلبة على مصانع الفوسفات المنتشرة في الصحراء الأردنية. وشاهد الطلبة مقاطع من الطريق الروماني الصحراوي القدي م Via Nova Trajana ، وعند الوصول إلى مدينة الشوبك تلقى الطلبة شرحًا عن المدينة ثم انتقلنا لمشاهدة قلعة الشوبك التي بُنيت في عهد “بلدَوين” على جبل الملوك؛ بهدف قطع الطريق على الأيوبيين من الإغارة على سواحل بلاد الشام التي كانت واقعة تحت حكم الفرنجة. وقد لاحظ الطلبة المشهد الحضري الصحراوي الذي يمتاز به وادي موسى.

في اليوم التالي، توجه الطلبة إلى البتراء/ الرقيم ومتحف البتراء. حيث شملت الزيارة: السيق، الخزنة، الشارع المعمّد، المعبد الكبير، الدير البيزنطي، قصر النحر العالي، ضريح المسلّات، المسرح النبطي-الروماني، معبد الأسود المُجنّحة، ومعبد قصر البنت والمعبد الكبير، وقد تلقى الطلبة محاضرة مفصلة عن تاريخ الأنباط وآثارهم في جنوب فلسطين والأردن. وانتهت الجولة بزيارة متحف البتراء حيث شاهد الطلبة في المتحف الأثار المرتبطة بأسلوب الري وتصريف المياه في البتراء وكذلك شاهد الطلبة نماذج من فخار الأنباط الأحمر المميز، وأيضًا نماذج من ملوك الأنباط وآلهتهم بالإضافة إلى التأثيرات اليونانية والرومانية على الأنباط والبتراء.

أنطلق الطلبة يوم الإثنين للعودة إلى عمان من وادي موسى عبر الطريق الصحراوي، وفي طريق العودة زار الطلبة القصور الصحراوية الأموية: قصر المُشتّى، قصر الحرّانة، حيث تعرف الطلبة على تاريخ القصرين وأنماط العمارة الأموية في بناء القصور وتلقى الطلبة شرحًا مفصلًا عن عمارة القصور الأموية، وبعد الانتهاء من زيارة قصر الحرانة انطلق الطلبة إلى قصير عمرة لمشاهدة القصر والرسومات الجدارية الفرسكو في قصير عمرة حيث تلقى الطلبة شرحا وافيا عن لوحات الفرسكو في قصير عمرة مثل جدارية أصحاب المهن والحرف، وكذلك جدارية الملوك الستة مع الخليفة الأموي، وكذلك تلقى الطلبة شرحًا عن الرسومات الجدارية الموجود في حمام القصر.

وفي اليوم التالي تم التوجه إلى قلعة عجلون، حيث لاحظ الطلبة النظام الدفاعي والتحصيني الذي تميزت به القلاع الأيوبية لحماية نفسها من الهجمات الفرنجية. وبعدها بدأت الجولة في مدينة جرش، إذ اطّلع الطلبة على المخطط الحضري للمدينة الكلاسيكية والتي تشمل البوابات كبوابة هدريان، والشوارع المُتمثّلة بـ”الكاردو” (شمالي جنوبي) و”الديكومانوس” (شرقي غربي) والمعابد كمعبد زيوس ومعبد أرتيمُس، والكاتدرائية البيزنطية، والنافورة “النيمفيوم”. بالإضافة إلى ملاحظة الاستمرارية التاريخية للموقع حتى الفترات الإسلامية، إذ يُستدل على ذلك من خلال وجود مسجد وزخارف معيّنة. ويأتي اختيار هذا الموقع في ضوء دراسة الطلّاب لمساق “آثار فلسطين في العصر اليوناني الهلنستي والروماني والبيزنطي”.